مؤتمر جنيف وهزيمة المشروع الأميركي.
د.نسيب حطيط
إن إنعقاد مؤتمر جنيف لحل الأزمة السورية بحضور الدول الخمس صاحبة حق(الفيتو)في مجلس الأمن وبمشاركة بعض الدول العربية،والتي كان لها الصبغة الفولولكلورية أو الخدماتية مثل قطر والكويت وتركيا،وغياب قطبين أساسيين على المستوى الإسلامي هما السعودية وإيران، والتي يعرف المجتمعون أن هاتين الدولتين تملكان من التأثير على الطرفين السوريين أكثر مما يمتلك الآخرون، فالسعودية تمثل الحاضن الديني والمالي لأطراف المعارضة السورية الخارجية،وإيران تمثل الحليف الإستراتيجي للنظام المقاوم في سوريا.
إن إعلان(جنيف)قد أعلن تثبيت بعض الأمور المفصلية على مستوى السياسة الدولية:
1- إنتهاء مرحلة مصادرة مجلس الأمن من أميركا وحلفائها وإستعادة الروس والصينيين لدورهم المهمش طوال عقدين من الزمن ،حيث تم نقل مجلس الأمن إلى جنيف بعنوان التوافق والحوار بعيدا عن الإملاءات الأميركية ومبدأ (الفيتو)وإنهاء مرحلة القطب الأميركي الأوحد.
2- تهميش الدور السعودي في قيادة الإسلام(السني)السياسي على المستوى الإقليمي والعالمي لصالح تركيا وقطر،وهذا ما يؤشر لخطط أو لقراءة أميركية جديدة لمستقبل العائلة المالكة في السعودية التي تعيش مرحلة الشيخوخة والإنقسام السياسي والحراك الداخلي تحت رماد(العطاءات المالية)والقمع الديني والسياسي.
3- إنهاء مرحلة(إسقاط الأسد)إلى مرحلة بقاء الرئيس الأسد والنظام مع اجراء تعديلات بنيوية وسياسية وإصلاحات دستورية ومشاركة النظام والمعارضة في حكومة وحدة وطنية تستكمل بناء الحكومة التي شكلها الرئيس الأسد وضمت بعض اطياف المعارضة الوطنية الداخلية ، لتصل الى فتح الأبواب لمشاركة معارضة الخارج برعاية دولية،،مما يعني إعترافا بقوة النظام الشعبية والسياسية والعسكرية.
4- إن إعلان جنيف بلسان كوفي عنان،أن المدة اللازمة لتطبيق هذا الإعلان والإقتراحات يحتاج إلى عام كامل كحد أدنى مما يعني أن الإتفاق الدولي حول سوريا مؤجل إلى ما بعد الإنتخابات الأميركية نهاية العام2012ليتمكن الروس من إبرام الإتفاق مع الرئيس أوباما في حال إنتخابه أومع الرئيس الجديد.
إن المهلة الزمنية المعطاة لتنفيذ الإتفاق ستعطي الأطراف المتنازعة في سوريا فرصة لتثبيت وقائع ميدانية لوضعها على طاولة الحوارمستقبلا لتحسين شروط التفاوض،مما يؤشر إلى تصاعد عمليات العنف والتخريب ضد النظام خاصة بعد فشل كل المحاولات للمسلحين ومن يرعاهم في تثبيت رقعة جغرافية واحدة في سوريا تحت سيطرتهم ،وسقوط المناطق العازلة الحدودية،أو المناطق العازلة الداخلية(دوما...إدلب..حمص ...درعا...)بل أن النظام في الفترة الأخيرة قد إستطاع حسم بعض الساحات ميدانيا لصالحه في حمص وريف دمشق والظاهر أنه سيستمر في هذه الحملة خلال الشهرين المقبلين،لترجيح كفته في المفاوضات المقبلة.
إن مؤتمر(جنيف)هو حلقه في سلسلة حلقات الأحداث السورية،لحل(الأزمة السورية)،حيث تعمل اميركا وحلفائها بشكل حثيث لجمع وتوحيد المعارضات السورية الخارجية لإيجاد كتلة سورية تنفذ المخطط الأميركي وتحقيق أهدافه المتعددة،و لتكون رأس جسر للتدخل الأميركي-الغربي وخنجرا عربيا في خاصرة محور المقاومة ومن تجليات محور(التجميع والتلزيق السياسي)مؤتمر إسطنبول-مؤتمرات الجامعة العربية لتوحيد المعارضات مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس-مؤتمر أصدقاء سوريا في باريس وبعده في تركيا، لأن المشروع الأميركي يصطدم بصخرة صمود النظام ومؤسساته مدعوما من شعبه و هيئات المجتمع المدني والنقابات ، بالإضافة إلى المشكلة الكبرى المتمثلة بتشتت المعارضات السورية وإنقساماتها وتحول بعضها إلى مقاولين ثوريين يجولون بين الأمراء والملوك في افخم الفنادق ،لإغتنام فرصة تجميع الأموال والظهور الإعلامي وتحقيق الطموحات الشخصية.
إن مؤتمر جنيف يمثل فشلا جديدا في المشروع الأميركي لإسقاط النظام السوري ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أجهض في تموز2006 على أيدي المقاومين اللبنانيين وتعيد أميركا المحاولة من جديد تحت غطاء الإصلاح والديمقراطية بإسم خادع حمل صفة(الربيع العربي)لكنه ربيع مشتعل بالحرائق والخراب والتشتت وآلياته تتمثل بالفتن المذهبية والطائفية ومهادنة إسرائيل واللجوء للذئب الأميركي.
ان مؤتمر جنيف اكد الفشل الأميركي بإسقاط الرئيس الأسد أو إسقاط النظام ،عندما قبل المؤتمرون بحكومة الوحدة الوطنية ، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة ، مما يعني بقاء الرئيس الأسد حتى انجاز ذلك ، مع حق الترشح مجددا للرئاسة ، والقبول بنتائج الصناديق ، ومهما حاولت الإدارة الأميركية تشويه أو تضليل الآخرين ،بأي تفسير آخر فهو خلاف النص الرسمي لإعلان جنيف ،وإستكمالا لسياسة التصريح العلني المخالف للمناقشات داخل الأبواب المغلقة .